الخميس، 3 أغسطس 2017

الرئيسية الطفل الموهوب

الطفل الموهوب


the-talented-child



البيئة الحاضنة تعزز الإبداع على الوالدين اكتشاف مواهب أطفالهم منذ الصغر، كي يتمكنوا من رعايتها وتنميتها في ظروف مناسبة

محمود الديب



يفسر الوالدان دائمًا بعض التصرفات التي يقوم بها طفلهما على أنها مؤشر على موهبة تبزغ في سن مبكرة. وهو أمر نسبي يعتمد على نوع القدرات التي يقوم بها الطفل نسبة إلى عمره، وما إذا كانت هذه التصرفات تمثل فعلاً مؤشرات نبوغ في مقتبل العمر. ولكن تظل الحاضنة الأسرية التي تستكشف هذه الموهبة وتسعى لاحتضانها وتنميتها لتتألق إبداعًا في المستقبل هي عامل الحسم المهم في مستقبل الطفل الموهوب.

استنبات الأسئلة

يضرب د. عبدالله بن ثاني، عميد الموهبة والإبداع والتميز بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مثالاً في رعاية الموهبة بما فعلته أم المخترع العظيم توماس أديسون حينما قالت للأستاذ الذي طرده من المدرسة ووصفه بالفاشل: كل المشكلة أن ابني أذكى منك و سترى من يكون توماس في المستقبل.

لم تقتصر الأم على هذا التحدي بل غرست في ابنها بذور الموهبة ورعتها بالاهتمام به من حيث بناء شخصيته، وتطوير قدراته بالقراءة والاطلاع، والمساعدة على التفكير والنجاح حتى بلغت اختراعاته حوالي 1093 اختراعًا، ومن أهمها المصباح المتوهج الكهربائي الذي أضاء العالم. إن الموهبة بحاجة إلى رعاية وبخاصة أن 90% من الأطفال يولدون موهوبين ومبدعين، و 10% منهم تستمر موهبتهم بعد دخول المدرسة. لذلك كان لزامًا علينا أن نعزز في ذهنية الطالب حقيقة استنبات الأسئلة بلا حدود، ووضع الفرضيات، ومناقشة الحلول، وخلق الفر ص والبدائل. وعطفًا على قصة المخترع توماس أديسون فإنه على الوالدين والأسرة القيام باكتشاف هذه المواهب التي يتمتع بها أطفالهم منذ صغرهم، كي يتمكنوا من رعايتها وتنميتها عن طريق أفراد الأسرة والمدرسة ممثلة في بيئتها المناسبة، و أساتذتها المتميزين، ومناهجها المحفزة للابتكار، و أن شطتها المعززة للتعلم الذاتي وتطوير الذات وتنمية التفكير، وصياغة الموهوب من خلال مجتمع كامل يؤمن بالتماسك والدفء، والقبول والحرية المنضبطة، وتعزيز الثقة، وتطوير الذات، والتفكير، وفهم المتطلبات النفسية لهم، وإتاحة بيئة للتعلم الأمثل.

سمات الموهبة

يرى د. عبدالله بن ثاني أنه ليس هناك أخطر على صناعة العبقرية من تجاهل الأسرة والمجتمع للخصائص الجسمية والعقلية والوجدانية التي يمر بها الطفل خلال مراحله العمرية المختلفة، علمًا أن السمات الذهنية تختلف من طفل إلى آخر. ولكن الطفل الموهوب يتميز بصفات منها: التعلم السريع، والذكاء الحاد، والذاكرة المتوقدة، والقدرة على حل المسائل والألغاز وحفظ الأرقام، والقدرة على الحديث واختيار العبارات والجمل المفيدة في سن مبكرة، وعمق عاطفي غير طبيعي لأنه يتفاعل مع الأحداث حوله بطريقة تختلف عن الآخرين من خلال عاطفة جياشة متدفقة، و شعور شديد الحساسية، والتركيز على منظومات القيم والأخلاق، ونبذ العدوانية والظلم، كما أنه حالم يعشق المستحيل. وعطفًا عليه فإن هناك مجموعة من المؤشرات التي تساعد على التعرف إلى الموهوبين واكتشافهم، وهي: المستوى المرتفع في التحصيل الأكاديمي والعلمي والمعرفي، والتميز العالي في القدرة على القيادة والمهارات الميكانيكية، كذلك استخدام مقاييس القدرات العقلية المختلفة كمقياس سانفورد بينيه، أو مقياس وكسلر. . ، والت شيح من قبل الأسرة والأساتذة لاختبارات القياس النوعي.


رعاية المواهب

إن تعزيز السمات وكشف العبقرية وفرض التحدي قد أصبح منهجيًا وبرعاية رسمية في ظل وجود مؤسسات تُعنى بالموهوبين ودعمهم، وفتح الباب على مصراعيه لهم في الخطط التطويرية للتربية بالمفهوم العام، خصوصا أن رؤية المملكة 2030 من خلال ثلاثية التحول: رؤية وطن. . طموح قيادة. . ومشاركة شعب. . تسعى إلى تحويل المجتمع السعودي إلى التنمية المستدامة واقتصاديات ما بعد النفط، وتعدد الموارد، وتنويع مصادر الدخل والميزانية. وهذه تعتمد على التنمية البشرية ابتداء، وتوظيف إمكاناتها وقدراتها من خلال التعليم النوعي، ما يعزز من مفهوم الموهبة، وثقافة الابتكار والإبداع، والملكية الفكرية والاستثمار فيها من خلال البرامج الإثرائية النوعية، والمسابقات، والمؤتمرات، والمنتجات بمعاييرها العالمية، وتأهيل قدرات المعلمين المتخصصين في رعاية الموهبة. وقد أكدت الرؤية ذلك بقولها: "سنحقق ذلك من خلال إعداد مناهج تعليمية متطورة تركز على المهارات الأساسية، بالإضافة إلى تطوير المواهب وبناء الشخصية، و سنعزز دور المعلم ونرفع تأهيله. . .".

ومن أهم الأسس التي تعتمد عليها رؤية 2030 هو الالتزام في برنامج التحوّل الوطني بتحقيق معدلات مرتفعة في مؤشرات البحث العلمي للوصول إلى تسجيل 5 آلاف براءة اختراع بحلول عام 2020 .

عملية طويلة

مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع تؤكد أنه لا ينبغي النظر إلى عملية التعرف إلى المواهب وتنميتها على أنها عمل يحدث في جلسة واحدة، ولمرة واحدة. فهي عملية طويلة المدى يتعرف فيها الآباء والمعلمون والطلاب أنفسهم على مواهبهم. لذا تنصح الآباء بضرورة توفير الدعم العاطفي للأبناء من أجل تنمية موهبتهم. هناك بعض المميزات المشتركة للبيئات الأسرية التي يظهر بها طفل موهوب، فكلما صغر حجم الأسرة زاد التركيز على الابن وموهبته، كما أن الطفل الأكبر أو الأصغر أو الأقرب للوالدين ودرجة احتكاكه بهما عالية، يمكن أن يسهم ذلك في إظهار قدراته الكامنة للوالدين. المستوى التعليمي والمهني للأبوين له دور آخر في موهبة الابن. فالأبوان المتعلمان أقدر على إطلاق طاقات ابنهم الإبداعية. كما أن العلاقات الأسرية الجيدة والمترابطة تنعكس إيجابيًا على إنتاجية الطفل، ومن ذلك أساليب التنشئة الأسرية، وتوافر الحرية، وتضاؤل العقاب، والتشجيع المستمر. وكلها عوامل تشجع على الإنجاز العالي للطفل.

مؤشرات الموهبة

يرصد الخبراء حول العالم، ومن بينهم مجلس الأطفال الاستثنائيين الأمريكيCEC ، بعض المؤشرات على توافر الموهبة في الأبناء عبر أربعة محاور رئيسة هي:

التعلم

  • سرعة الفهم والاستيعاب
  • حصيلة عالية من المفردات
  • طرح استفسارات أعلى من مستواه العمري
  • قدرات حسابية عالية


القيادة

  • القدرة على تحمل المسؤولية والقيادة
  • القدرة على اتخاذ القرار
  • القدرة على الإقناع والتأثير
  • حب التطوع وامتلاك حس المبادرة

العمل

  • القدرة على التعامل مع الضغوط
  • إنجاز الأعمال في الوقت المطلوب
  • الدقة والإتقان
  • امتلاك الدافع الداخلي للإنجاز


الإبداع

  • توليد الأفكار وطرح الحلول غير المألوفة
  • حب الفن والجمال
  • حب الاستطلاع والرغبة في التجريب
  • القدرة على الربط بين الأفكار


هل ابني موهوب؟

تجيب ملاك العبد اللطيف، معلمة وحاصلة على ماجستير في تربية الموهوبين على سؤال مفاده، هل ابني موهوب؟، قائلة: "هذا سؤال يطرحه الآباء عادة في قلق، وكأنه يبحث عن كنز داخل ابنه، ولكن هل الابن هو الوعاء الذي يجب أن يحتوي الموهبة؟ فالتربية الفعالة التي تطلق مواهب الأبناء، هي أن يحبهم الوالدان على حالهم، ويتقبلوهم بكل ما وهبهم الله من خصائص و سمات. فالموهبة ليست هي المحك التي من خلاله تحدد قيمة الطفل. وقبل أن نبحث عن الموهبة علينا أن نعتني بنمو الطفل نموًا سليمًا متكاملاً، باحترام شخصيته والحفاظ على كرامته، وتوفير بيئة آمنة نفسيًا وفكريًا. إذا فعلنا ذلك حقًا فنحن نوفر تربة خصبة لنمو موهبة ونمهد لبزوغها. وأنصح الآباء والأمهات بأن يمنحوا أبناءهم الفرصة ليكونوا أنفسهم، وليس الضغط عليهم للتفوق على آبائهم، حتى يتفاخروا بهم في المحافل والمناسبات المختلفة".

بيئة حاضنة للإبداع

رعاية الطفل الموهوب ليست منافسات أو برنامجًا منفردًا نلحق به أبناءنا ليتحولوا إلى عباقرة، وهي ليست مهمة المدرسة وحدها. كما يجب ألا تكون وظيفة المنزل فقط، بل تشترك في ذلك جميع مؤسسات المجتمع بروح تكاملية لتخريج القادة والمؤثرين في المجتمع. وقبل أن نعمد لتنمية قدرات الأبناء المعرفية والعقلية علينا أن نوفر كمًا مناسبًا من الحب. . فالتربية باختصار هي الحب. ومع ذلك لا نقلل من أهمية الكشف عن الموهبة في وقت مبكر لدى الطفل، بل إن ذلك جزء مهم من التربية. أهم مقياس يمكن التنبؤ من خلاله بإمكانية وجود طفل موهوب هو الملاحظة من شخص لديه معرفة كافية. لذا يجب على الآباء والأمهات أن يمتلكوا قدرًا كافيًا من المعرفة في هذا المجال. وهناك مقاييس كثيرة ومتنوعة للكشف عن الموهبة ولا يمكن عدّها بالدقة والمصداقية نفسيهما. كما يجب توخي الحذر عند تطبيقها بتهيئة الطفل نفسيًا قبل التطبيق وبعده، والحرص على مناسبتها لعمره وثقافته. فما يناسب بيئة وثقافة معينة قد لا يناسب غيرها. فالموهبة قد تظهر ملامحها في وقت مبكر من عمر الطفل في سنواته الأولى، وذلك بأن يمتلك قدرًا كبيرًا من المفردات مثلاً على خلاف بقية الأطفال في سنه، وغيرها من السمات التي تشير إلى احتمال وجود موهبة عقلية. كما أنها قد تتأخر قليلاً حتى بعد السابعة، أو ربما يظهر سلوك الموهبة في وقت مبكر ثم يطفأ لاحقًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.