السبت، 2 سبتمبر 2017

الرئيسية الكلفة البشرية للتقنية الرقمية

الكلفة البشرية للتقنية الرقمية




digital-technology



بقدر ما تعد تقنية المعلومات والاتصالات مسببة للإجهاد، إلا أنها جزء من الحياة العملية الحديثة، وبإمكاننا الحد من هذا الإجهاد إذا أخذنا في الحسبان الاختلافات في الشخصية لدى توزيع المسؤوليات

باول كورزينسكي وإليزابيث فلوران تريسي ومانفريد كيتس دو فرايس


درجنا في الماضي على التواصل مع زملائنا في العمل إذ نمر بهم في أحد الأروقة خلال توجهنا لحضور أحد الاجتماعات، أو نلتقيهم خلال استراحة الغداء، أو في كثير من الأحيان نخط لهم رسائل قصيرة مدونة باليد نستهلها بعبارات مثل: بينما كنت في الخارج ، أما في الوقت الحالي، فبات الناس على الأرجح يتواصلون بعضهم مع بعض بشكل مستمر من خلال تقنية المعلومات والاتصالات، على غرار وسائل التواصل الاجتماعي، والهواتف المحمولة، أو روابط الاتصال عبر الفيديو. في الواقع، أظهرت دراسة أجريت مؤخرًا أن نحو ثلث البالغين في الولايات المتحدة لا يضعون هواتفهم الذكية في وضعية الإغلاق بتاتًا، ما يشهد على الهيمنة واسعة النطاق لتقنية الاتصالات الحديثة.

صحيح أن لتقنية المعلومات والاتصالات منافع عدة، بما في ذلك واقع أنها تجعل عملية حصولنا على المعلومات والموارد أشد بساطة بمعنى أننا ما عدنا نحتاج إلى الوجود في البلد نفسه، حتى في المكتب نفسه، مع الأفراد الذين نرغب في التواصل معهم لكن الانتشار الرقمي الشامل يفرض تحديات اجتماعية جديدة فالمديرون التنفيذيون على وجه الخصوص باتوا يجدون أنفسهم في مواجهة ضغوطات متزايدة بفعل تلقيهم وابلاً من الرسائل الإلكترونية، والهاتفية، وتلك المرسلة عبر منصات التواصل الاجتماعي من قبل مجموعات لا تُعد ولا تحصى من المرؤوسين، والزبائن، والموردين، والشركاء في العمل، السابقين والحاليين والمستقبليين وإذ ذاك، تنجم عن هذا الوابل المستمر تحديات تتمثل في تراكم أعباء العمل على نحو مفرط، وازدياد متطلباته تعقيدًا، وانعدام الأمان، و شعور المرء بالإرباك وبأنه يتعرض لغزو باختصار، هو الشعور بالإنهاك وقد دفعنا هذا الأمر إلى طرح السؤال التالي: هل لطبيعة شخصية الفرد أي تأثير في طريقة تعامله مع التحديات الناجمة عن تقنية المعلومات والاتصالات؟

في عام 1984 ، استُخدمت عبارة الإجهاد بفعل استخدام التقنية لوصف التوتر العصبي المرتبط بفرط استخدام تقنية المعلومات والاتصالات وقد لحظت بحوث لاحقة خمسة مسببات لهذا النوع من الإجهاد تمثلت في الآتي: الأعباء التقنية المفرطة (حالات تزداد فيها أعباء العمل الناتجة عن تقنية المعلومات والاتصالات إلى حد مفرط) ، والغزو التقني (التأثير واسع الانتشار لتقنية المعلومات والاتصالات على الحياة الشخصية) ، والتعقيدات التقنية (الصعوبات في تعلم مبادئ استخدام تقنية المعلومات والاتصالات) ، وانعدام الأمان بسبب التقنية (الحالات التي تُهدد فيها تقنية المعلومات والاتصالات وظائف المستخدمين ، والإرباك بفعل التقنية المرتبط بالتطورات الجديدة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات).

أما ورقة العمل الأخيرة الصادرة عن إنسياد تحت عنوان أنت وشعورك بالإجهاد بفعل استخدام التقنية ربط أبعاد الشخصية بالإجهاد المتعلق بتقنية الاتصالات فتهدف إلى تقييم تأثير سمات شخصية محددة على كل من هذه العوامل الخمسة.

التحديات المرتبطة بالتقنية في القرن الحادي والعشرين

عندما جرى لحظ "الإجهاد بفعل استخدام التقنية" للمرة الأولى، كانت الإحصائيات المتوافرة تشير إلى أن 8% فقط من الأسر الأمريكية تمتلك حاسوبًا أما اليوم، ومع وصول النسبة إلى 80% تقريبًا، فقد أصبحت الكلفة البشرية للعصر الرقمي تفوق من بعيد ما كانت عليه في أي وقت مضى ما لاشك فيه أن طريقة استجابة الأفراد للتطورات التقنية السريعة، وللتأثير السلبي الذي يختبرونه جراء تبديدهم قسمًا كبيرًا من وقتهم في وضع الاتصال بالإنترنت ، تختلف من فرد إلى آخر لمعرفة المزيد عن هذا الاختلاف، طلبنا إلى بعض الأفراد تعبئة استمارتي استطلاع تمحور الاستطلاع الأول حول رصد مستوى الإجهاد المحسوس لديهم بفعل استخدام التقنية، بينما شكل الاستطلاع الآخر عملية تدقيق في الشخصية، أي دراسة شاملة للمعلومات الارتجاعية ركزت على البحث في سمات الشخصية (تكمن فائدة الاستطلاع الشامل للشخصية من خلال المعلومات الارتجاعية في واقع أنها تمكننا من الحصول على بعض المعلومات من الفرد عن نفسه مقابل تصورات المراقبين عن سماته الشخصية) وقد حللنا الردود من 49 استمارة استطلاع قدم أصحابها تقييمًا ذاتيًا لمستوى الإجهاد بفعل استخدام التقنية، فضلاً عن استمارة استطلاع للتدقيق في الشخصية من قبل المراقبين، وذلك بهدف تحديد سمات شخصية معينة تشكل عاملاً مؤثرًا في الكلفة البشرية للتحول الرقمي، علمًا بأننا توصلنا بالنتيجة إلى بعض الاكتشافات المفاجئة.

الشخصية وردود الفعل تجاه تقنية المعلومات والاتصالات

لعل أكثر ما يثير الاهتمام هو اكتشافنا أن مقدار شعورنا بالتأثر ببعض أشكال الإجهاد بفعل استخدام التقنية، أو بالغزو التقني، غالبًا ما يختلف اختلافًا بالغًا عن كيفية تقييم الآخرين لأدائنا بعبارات أخرى، لا يلاحظ الآخرون في غالب الأحيان إلى أي حد نحن نشعر فعليًا بالإجهاد من منظور الشخصية، يشير تحليل البيانات إلى أن الأشخاص الانطوائيين ينتفعون من استخدام تقنية المعلومات والاتصالات، ويختبرون مستويات أقل من تأثيرات الغزو التقني وينطبق الأمر على الأشخاص المنفتحين ظاهريًا، أي الأشخاص الانطوائيين الذين تعلموا كيفية إظهار سلوكيات منفتحة عند الحاجة فقد تتيح تقنية المعلومات والاتصالات للمنفتحين ظاهريًا التواصل مع جمهور أكبر دون الاضطرار إلى المشاركة جسديًا في لقاءات اجتماعية واسعة النطاق أضف إلى ذلك أن ميل الأشخاص المنفتحين ظاهريًا إلى بناء علاقات أصيلة مع عدد أصغر من الأشخاص قد يعني أنهم يعتمدون مقاربة أكثر استراتيجية وانتقائية حيال خيارات توافرهم وجهوزيتهم، حتى و إن كانوا يملكون خيار إظهار نشاطاتهم وحضورهم على منصات تقنية المعلومات والاتصالات.

في سياق استكشافنا لأنواع أخرى من الشخصيات، وجدنا أنه كلما ازداد مستوى انفتاح الفرد، ازدادت احتمالات أن يعاني أعباء العمل المفرطة بسبب التقنية. يذكر أن مجموع العلامات المرتفع الذي و ضعه المراقبون لعامل الميل إلى المغامرة بدا مرتبطًا بالمستوى العالي المصرح عنه من قبل الفرد عن أعباء العمل المفرطة بسبب التقنية. في المقابل، تبين أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الثقة بالنفس يكونون أقل عرضة للشعور بانعدام الأمان بسبب التقنية. أي شعور هؤلاء بالإجهاد الناجم عن تخوفهم من خسارة وظائفهم لصالح أشخا ص يتمتعون بمهارات تقنية أفضل وأفراد يبدو ظاهريًا أنهم وجدانيون (أولئك الذين أعطاهم المراقبون على عامل التحلي بالضمير الوجداني علامات تفوق تلك التي وضعوها لأنفسهم) - ويتأثرون بنسبة أقل بالغزو التقني أما الأفراد الوجدانيون إلى حد بالغ، فهم يظهرون على الأرجح مستويات أعلى من انعدام الأمان بسبب التقنية، ما يشير إلى أن تقنية المعلومات والاتصالات تؤثر سلبًيا في الحياة العملية جيدة التنظيم للأفراد الذين يدققون في أصغر الأمور.

أخيرًا، كان من المفاجئ لنا اكتشاف أن الفترة التي يكون فيها الفرد متاحًا من خلال تقنية المعلومات والاتصالات (أي أوقات اتصاله بالإنترنت وتمكنه من تلقي الرسائل الإلكترونية والرد عليها، والإجابة عن الاتصالات، أو رؤية تحديث قام به أحد زملائه عبر منصة للاتصال المباشر عبر الشبكة) واستخدامه الذكي لتقنية المعلومات والاتصالات (من خلال اختياره القيام بذلك عوضا عن اضطراره إلى ذلك) ، بموازاة انشغاله بمهام أخرى، تخلف آثارًا عكسية على الغزو التقني فقد تبين لنا أن المشاركين في الدراسة الذين جعلوا أنفسهم متاحين باستمرار وبسهولة من خلال منصات تقنية المعلومات والاتصالات كانوا أكثر تأثرًا بالغزو التقني. في المقابل، كان للغزو التقني تأثير سلبي أقل على أولئك الذين استخدموا تقنية المعلومات والاتصالات بانتظام. إنما في الوقت الذي رأوه مناسبًا لهم لعل السبب في ذلك يُعزى إلى واقع أن هؤلاء تحلوا بمشاعر أكثر إيجابية تجاه استخدام التقنية، و شعروا بالقدرة على التحكم في كيفية استخدامها والوقت المناسب لذلك. لكن السؤال هو: لماذا ينجح بعض الأفراد في التحكم في طريقة استخدامهم لتقنية المعلومات والاتصالات بينما يبدو آخرون وكأنهم يقعون في فخ التوافر والجهوزية ؟ بالنظر إلى السمات الشخصية، يبدو أن الأفراد الوجدانيين ظاهريًا والأفراد المنفتحين ظاهريًا يبرعون أكثر من غيرهم في استخدام تقنية المعلومات والاتصالات بأسلوب استراتيجي. فالأفراد الذين يتمتعون بهذه السمات الشخصية يمتلكون مهارات أفضل لإدارة الأوقات التي يكونون في خلالها متوافرين على الشبكة، ما يحد كذلك من شعورهم بالغزو التقني.

" في ظل تسابق الشركات لدخول عالم التحول الرقمي، تفرض التوقعات التي تلحظ ضرورة بقاء الأفراد في المؤسسات على أهبة الاستعداد للاستجابة لمتطلبات العمل تحديات ذات طابع بشري بامتياز فمقدار نجاح الفرد في التعامل مع هذا الواقع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطبيعة شخصيته"


مع استراتيجيات التواصل

بقدر ما تعد تقنية المعلومات والاتصالات مسببة للإجهاد، إلا أنها جزء من الحياة العملية الحديثة، لا سيما أنها تدعم العديد من التحولات الإيجابية داخل المؤسسة، وتوفر قدرًا أكبر من المرونة وفرص التواصل والمشاركة وما تشير إليه نتائجنا هو أنه بإمكاننا الحد من الإجهاد بفعل استخدام التقنية إذا أخذنا في الحسبان الاختلافات في الشخصية لدى توزيع المسؤوليات وتحديد الإرشادات حول استخدام تقنية المعلومات والاتصالات.

على سبيل المثال، تعود تقنية المعلومات والاتصالات بالمنفعة على أفراد الفريق الانطوائيين بما أنهم يختبرون في العادة مستويات أقل من تأثيرات الغزو التقني. أما الأفراد المنفتحون، فإن التواصل وجهًا لوجه قد يساعد على تلطيف مخاوفهم من أن يتم استثناؤهم من المشاركة في حال لم يكونوا متصلين بالإنترنت على الدوام، ما يحد بالنتيجة من تزايد أعباء العمل الملقاة على عاتقهم بسبب التقنية. في المقابل، يُظهر الأفراد الوجدانيون، إلى حد بالغ، مستويات متزايدة من الشعور بانعدام الأمان بسبب التقنية. ولهذا السبب لا ينبغي أن يُطلب إليهم أداء أعمال مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتقنية المعلومات والاتصالات، أو ربما ينبغي أن يتم إرشادهم في سياق مرحلة تعلمية انتقالية ليكتسبوا الثقة والمقدرة على التحكم في وسائط تقنية المعلومات والاتصالات. فضلاً عن ذلك، لاحظنا وجود روابط أخرى مثيرة للاهتمام بين أبعاد الإجهاد بفعل استخدام التقنية والسمات الشخصية. على سبيل المثال، يبدو أن الأ شخاص الذين بلّغوا ذاتيًا عن استخدامهم المتكرر لتقنية المعلومات والاتصالات قد حققوا مستوى أعلى من الثقة بالنفس بحسب مراقبيهم. كما أن الأفراد الذين صرحوا بأنهم يثقون بالآخرين أقروا هم أيضا بالوتيرة المرتفعة لاستخدامهم تقنية المعلومات والاتصالات. في المقابل، فإن الأفراد الذين بلّغوا ذاتيًا عن مستوى عالٍ من التوافر والجهوزية بدوا بحسب مراقبيهم أشخاصا كئيبين يفتقرون إلى الحماس. لاشك في أن هذه النتائج تثير المزيد من التساؤلات حول ما إذا كان بعض الأفراد قد يتواصلون عبر وسائط تقنية المعلومات والاتصالات بهدف تعزيز الثقة بالنفس، أو الشعور بالبهجة. ما تقترحه دراستنا بشكل رئيسي هو الآتي عوضا عن الإيحاء بوجوب توافر الأفراد على الشبكة طوال أيام الأسبوع وعلى مدار الساعة، أو عوضا عن فرض قواعد صارمة على مستوى المؤسسة. فيما يتعلق بالتوافر والجهوزية، فمن الأفضل للقادة مساعدة الأفراد على فهم تفضيلاتهم الفردية وتزويدهم بالمرونة والتدريب، لكي يكيفوا بالطريقة المثلى مقارباتهم الفردية الفضلى لاستخدام تقنية المعلومات والاتصالات فبهذه الطريقة، سينظر الأفراد إلى وسائط تقنية المعلومات والاتصالات على أنها أدوات مساعدة مرفقة مع خيارات، وليس على أنها مصدر إضافي للشعور بالإجهاد والقلق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.