الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

الرئيسية في الكسل بعض الفوائد

في الكسل بعض الفوائد

 
 
 
ستة حلول لسد النقص ودور منح الدماغ «استراحة» يمكننا من تحسين الصحة النفسية والعقلية، وإتاحة الفرصة لاحتضان الأفكار.
مانفريد كيتس دي فريس
 
أستاذ مميز تطوير القيادة والتغيير التنظيميفي المجتمع المتشابك الذي نعيش فيه اليوم نواجه خطر التحول إلى ضحايا عبء المعلومات المنهك. فقد أصبح الاستبطان والتأمل من الفنون المفقودة مع تعاظم إغراء «دعني أولاً أكمل هذا» أو «أكتشف حقيقة ذاك» إلى حد تصعب مقاومته. لكن بذل الجهد المضني في العمل لا يعني بالضرورة التفوق في إنجازه. في الحقيقة، ربما يكون التريث والتمهل وتخصيص فترات «استراحة من العمل» أفضل الأشياء التي يمكننا فعلها لتحفيز الحالات الذهنية التي ترعى مخيلتنا، وتحسن صحتنا النفسية.
 

الانهماك في العمل إزاء الاشتغال المنتج

أصبح الانهماك في العمل سمة مميزة لحياتنا تُعرّف بها. انظر حولك في محطة القطار، والمقهى، والشارع، تجد الناس منشغلين بمتابعة أعمالهم عبر هواتفهم المحمولة. سألت، مؤخرًا، مديرة دربتها ذات يوم عن عدد الرسائل الإلكترونية التي تتلقاها يوميًا، فقالت: «خمس مئة. لكني لا أقرؤها، ولو فعلت لما أنجزت عملي». وأضافت أن التحدي ليس الحصول على المعلومات بل «تفادي سيلها الجارف كي لا أعاني حملها الثقيل. أحتاج إلى وقت للتفكير».
للمديرة مساعد يقرأ بريدها كله ثم تقضي معه بضع ساعات كل أسبوع لمناقشة الرسائل الإشكالية. تقول مفسرة: «لا أحصل على أجر مقابل هذا النوع من العمل. فإذا أمضيت وقتي في أداء ما يتوقع مني الآخرون أداءه هناك، فلن أجد فسحة لإنجاز واجبات الوظيفة. لا تستطيع القيام بعمل إبداعي بسرعة إلكترونية».
يبدو لي أن المديرة على حق، وتعلمتُ من التجربة أن كثيرًا من الناس سيكونون أفضل حالاً إذا قلصوا حجم العمل وزادوا وقت التأمل. لكننا ما قبلنا قط فكرة عدم فعل أي شيء. فنحن نربطها بانعدام المسؤولية وتضييع الحياة سدى. ويشعر كثير منا بالذنب إذا لم نجد ما نفعله. من ناحية أخرى، نشعر بنوع من الإثارة حين ننشغل فعلاً في العمل. والسلوكيات المحفزة لتشتيت الانتباه مثل التحقق المستمر من البريد الإلكتروني تستحث الدماغ على إفراز الدوبامين في مجرى الدم، ما يمنحنا فورة نشاط تجعل التوقف أمرًا صعبًا.
يتمثل الخطر في أننا قد نفقد الاتصال، لا فيما بيننا فحسب، لكن مع أنفسنا أيضًا. فإذا لم نمنح عقلنا فترات من التفكير دون انقطاع وبأسلوب حر التداعيات، يستبعد أن نحقق أي نوع من النماء الشخصي، أو الرؤى الثاقبة، أو الإبداع.

 فوائد الملل

الراحة والملل متناسجان ومتداخلان، مثلما لاحظت في دراسة أجريتها مؤخرًا بعنوان: «القيمة المخبأة لوقت الفراغ والملل: حين لا تفعل شيئًا ولا تجد شيئًا تفعله». وبينما يرى معظمنا أن من الصعب تحمل الملل، إلا أنه قد يشكل في كثير من الحالات مقدمة تمهيدية لنشاط آخر. إذ يمكن أن يطلق العنان لمخيلتنا وملكاتنا الإبداعية. وبمعنى من المعاني، يمكن أن نعد الملل عتبة تحفيز، ومصدرًا حاسم الأهمية يدفعنا إلى البحث عن غير المألوف والمبتذل.
لكن في العصر الافتراضي الإلكتروني، حيث نتمتع بحرية اختيار غير محدودة فيما يتعلق بالترفيه والتسلية واللهو، من الأسهل أن نجد أنفسنا في حالة من الانشغال المستمر مقارنة بالتبطل وعدم فعل شيء. وأنشطتنا المحمومة في الفضاء الافتراضي –عالم من تعددية المهمات وفرط النشاط- تساعد على خداعنا لأنفسنا والاقتناع بأن جهدنا منتج ومثمر. أما الحقيقة فهي أن وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلية لكن ليست أصيلة. فهي تعيق الإبداع ويمكن أن تلحق الضرر بالصحة العقلية. وحين لا نعرف كيف نعاير التوازن بين الفعل والتأمل فقد نسقط ضحايا للنهك النفسي.
 

مكان العمل

من سوء الحظ أن المدمنين على العمل في المؤسسات المعاصرة يتلقون التشجيع والتأييد حتى المكافآت. من الصعب مواجهة التطور الماكر لحجة المنشغلين بهاجس العمل ليل نهار، لأن هذا السلوك مفيد ويصب في مصلحة المؤسسة. ثمة عامل يتعلق بالإدارة والتحكم يعبر عنه موقف: «أنا أدفع راتبًا محترمًا لهذا الموظف، فلماذا لا أراه جالسًا على مكتبه يعمل؟».
لكن لا توجد بالضرورة علاقة لزومية بين بذل الجهد المضني في العمل والتفوق في إنجازه بذكاء. في الحقيقة، ربما تسهم بيئة المدمنين على العمل في إثارة مشكلات شخصية خطرة تؤثر في الصحة العقلية، منها تدهور الروح المعنوية، والاكتئاب، وسوء استعمال المواد، والمضايقات في مكان العمل، وتفكك العلاقات، وارتفاع معدل الغياب عن العمل.
لا ريب في أن أكثر المديرين التنفيذيين فاعلية وتأثيرًا هم القادرون على العمل والتأمل في آن، ما يعني تحرير أنفسهم من أسر الدافع القهري للبقاء في حالة مستمرة من الانهماك المرهق في العمل.
 
 

احتضان الأفكار بوساطة التفكير غير الواعي

حين لا تفعل شيئًا، أو لا تجد شيئًا تفعله، تتيح فرصة ثمينة لتحفيز العمليات الفكرية غير الشعورية. ويتفوق التفكير غير الواعي في دمج المعلومات وربطها، عبر القيام بعمليات بحث غير شعورية في أرجاء قاعدة البيانات الواسعة لمعارفنا. في هذه المنطقة غير الواعية من الذهن، تتضاءل قيود التداعيات والارتباطات التقليدية، ويزداد احتمال توليد أفكار جديدة ومبتكرة مقارنة بحالنا عندما نركز بؤرة عقلنا الواعي على حل المشكلات.
ربما لا تدخل نتيجة هذه العمليات إلى ساحة وعينا على الفور. إذ تحتاج إلى وقت لاحتضانها. وأرى هنا أن عدم القيام بأي شيء أو أخذ قسط من الراحة ربما نجده أنجع طريقة لحل القضايا المعقدة، إضافة إلى كونه أفضل الأشياء لحل القضايا المعقدة.
يستمر نشاط العقل غير الواعي لدى المتفوقين في حل المشكلات حتى بعد التوقف عن العمل الواعي. إذ يمكن العثور على حلول مبدعة عبر العمل على المشكلة في فترات متقطعة، مع ممارسة الأنشطة اليومية العادية، مثل النزهة على الأقدام، أو قيادة السيارة، أو القراءة، أو اللعب مع الأطفال.
تكتسب فوائد التأمل والتركيز على الحاضر شعبية واسعة في عالم الشركات، حيث يتحول كثير من المديرين التنفيذيين إلى أسلوب التأمل الذهني ليساعدهم على عملية اتخاذ القرار وحل المشكلات. ويمكن أن يمثل حلاً مؤقتًا للمدير التنفيذي الذي ينكبُّ على عمله المرهق تسع ساعات، ثم يحضر جلسة تأمل في نهاية المطاف. في الحالة المثالية، يجب أخذ فترة استراحة في أثناء ساعات الدوام. وقد تعطي جولة قصيرة قرب المكتب أو الوقوف قليلاً بجانبه نتيجة أفضل من متابعة العمل في فترة الاستراحة المخصصة لتناول الغداء.
أوجز الرسام الإيطالي جيورجيو فاساري القضية كلها بأسلوب بليغ حين قال: «في بعض الأحيان، يحقق النوابغ أفضل النتائج حين يبذلون أقل قدر من الجهد». وهنالك العديد من الأمثلة الشهيرة التي تثبت أن إلهام الأفكار الذكية أتى إلى العبقري «من حيث لا يدري»: بدءًا بأرخميدس في الحمام، مرورًا بنيوتن في حديقة لنكونشير، وانتهاء ببول مكارتني الذي استيقظ ذات صباح ليجد أنه لحن الأغنية الشهيرة «البارحة» في المنام!
يمكن لوقت احتضان الأفكار أن يتخذ أشكالاً عديدة. واللافت أن شركات كبرى مثل جوجل، وتويتر، وفيسبوك، جعلت «الوقت المستقطع» ملمحًا أساسيًا من ملامح مكان العمل.
 

إدراك الحاجة إلى العمل المثمر

كثيرًا ما نكتشف أننا نبذل جهدًا مضنيًا (لكن ليس مثمرًا بما فيه الكفاية) حين نجد أنفسنا في مكان ينتهي فيه العمر ولا ينتهي العمل. ونخدع أنفسنا بالقول إننا إذا أنجزنا هذه المهمة الإضافية أو تلك فسوف نتمكن بعد ذلك من الاسترخاء والراحة. هذا التفكير مضلل: فإما أن تزداد البنود على قائمة الواجبات التي يجب إنجازها باستمرار، وإما أن نشعر أن باستطاعتنا إنجاز المهمات بشكل أفضل قليلاً. حين نحاصر في شرك هذه الذهنية يأزف وقت التحرر من الحمل الثقيل وأخذ فترة استراحة. واللافت أن المشكلة، بعد فترة الاستراحة، تبدو مختلفة تمامًا وربما يفاجئنا أن حلها الظاهر كان هناك أمام أنظارنا يحدِّق في وجوهنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.