المبالغة في تعنيف الطفل تتسبب في إحداث الضرر في شخصيته وسلوكه المستقبلي.
د. حسين سليم الجويد محمود الديب
رغم تطور الحياة المعاصرة في جوانبها كافة، وتغير السلوك الإنساني نحو الأفضل نتيجة ازدياد الوعي، والانفتاح على ثقافات العالم في عصر العولمة، وتقدم العلوم والمعارف، إلا أن بعض الإرث الاجتماعي السلبي لا يزال راسخًا لدى البعض، وإن خفّتْ حِدّته قليلاً نتيجة الأنظمة والقوانين والتشريعات الصارمة التي تنظم تلك السلوكيات، والتي يأتي من بينها العنف الأسري، وإيذاء الأطفال. يختلف الناس في اتباع أساليب معينة لضبط تصرفات أبنائهم تتراوح بين الشدة المفرطة واللين الضار، إلا أن المطلوب هو تطبيق المبدأ الواقعي في الثواب والعقاب.
ضبط السلوك
تناقش د. مها بنت عبدالله المنيف، المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني، قضية عقاب الطفل بتوضيح مفهوم ضبط السلوك الذي يرتبط في كثير من الأحيان مع تربية الأطفال بالعقاب والتحكم، وهذا مفهوم محدود. بينما ضبط السلوك في جوهره هو نظام يشتمل على التعليم الذي يجهز الطفل ليكون مؤهلاً، ومتحكمًا في ذاته، وموجهًا لنفسه، ومهتمًا بالآخرين. بهذا المعنى فهو نظام يهدف في النهاية إلى إخراج شخص بالغ سعيد وعضو فعال في المجتمع.
التهذيب أو ضبط السلوك الناجح يركز على تعليم الأطفال وإرشادهم، وليس فقط إجبارهم على الطاعة والخضوع. لابد أن يعلم الطفل أن الوالدين يحبانه، ولابد أن تكون هناك ثقة متبادلة يتم البناء عليها. أساس تهذيب السلوك الناجح هو الاحترام، بحيث يحترم الطفل سلطة الوالدين ويحترم حقوق الآخرين. إن عدم الثبات على المبدأ عند تعليم الطفل الانضباط يقلل من احترامه لوالديه. وكذلك فإن القسوة والإهانة (بالإيذاء اللفظي، والصراخ، والشتم، والضرب) قد تقللان من احترام الطفل لوالديه. لذلك، فإن تعليم السلوك المنضبط لابد أن يطبق وسط احترام متبادل وبطريقة حازمة، وعادلة، ومنطقية، وثابتة. فالهدف في النهاية هو حماية الطفل من الخطر، ومساعدته على أن يتعلم ضبط ذاته، وتطوير إحساسه الداخلي بالمسؤولية، وتعليمه المبادئ السليمة، لأن التربية تتمحور حول تغيير السلوك وليس العقاب.
الضرب
استخدام الضرب في العقاب يؤذي الطفل، ويؤدي إلى نتيجة معاكسة لما يرغب الوالدان في تحقيقه. تهدف التربية إلى جعل الطفل شخصًا مسؤولاً عن ضبط السلوك. والضرب ليس الوسيلة لتحقيق ذلك. ومن المهم أن تتم التربية في بيئة إيجابية داعمة للطفل. لذا ينبغي على الآباء الابتعاد تمامًا عن الانتقاص من شخصية الطفل، وإشعاره بالذنب، أو إشعاره بالتخلي عنه.
أخطاء سلوكية
يرى استشاري الطب النفسي د. فهد المنصور، أن الأطفال يسيئون التصرف في بعض الأحيان، وقد يتجاوز سوء التصرف الأذى والتمرد، ليصل إلى نمط من السلوك العدائي أو الفوضوي، ما يدفع كثيرًا من الأهالي لاتباع وسائل قاسية تحت مسمى العقاب للرد على تصرف الطفل بهدف تعديل سلوكه السيئ. الأطفال بشكل عام يرتكبون أخطاء سلوكية عديدة عند بداية وعيهم واحتكاكهم بالبيئات المختلفة، كالأسرة، والأصدقاء، والمدرسة، فتتطور لديهم سلوكيات طبيعية إلا أنها تنمو في اتجاهات مختلفة كالغيرة، والعناد، والعدوان، والعصبية، والكذب، وغيرها من السلوكيات التي مررنا به في سنوات العمر المبكرة، والتي لا زالت تشاهد في مجتمعاتنا، وسائل خاطئة يستخدمها كثير من الأسر، لأنها تؤذي الطفل جسديًا ونفسيًا كالضرب والتعنيف، والصراخ والشتم، والتمييز والمقارنة بين الأبناء بعضهم ببعض أو بغيرهم من أطفال العائلة أو الجيران، إلى جانب السخرية والاستهزاء والتهديد، وغيرها. وخلافًا للمعتقد الخاطئ بجدوى هذه الطرق وفعاليتها وسرعة نتائجها نجد أن الضرر الناتج عنها هو إضافة جديدة لمشكلاته والتي تتعدى الضرر الجسدي إلى عمق النفس. والبدائل العقابية هي الطرق المقبولة لتعديل سلوك الأطفال دون إيذاء جسدي أو نفسي.
العقاب المناسب
ترى الاستشارية الاجتماعية والتربوية د. نادية نصير، أن استخدام العقاب في التربية يعد أمرًا طبيعيًا لكل البشر عامة والطفل خاصة، والمنهج الإسلامي في التربية صالح لكل زمان ومكان، ولكنّ كثيرًا من الآباء يهملون التربية في الإسلام، والتي تعتمد على التنبيه للخطأ، والموعظة، والترغيب والترهيب بالثواب والعقاب، مع ضرورة وجود القدوة الحسنة أمامهم. العقاب المناسب للفعل يجب أن يسهم في ضبط السلوك، أما إذا ما حصل العكس فذلك يعني أن العقاب غير مناسب للسلوك وسيكرره الطفل من جديد. يجب الابتعاد عن العقاب البدني المؤذي للطفل، وإذا كان لابد منه، فليكن دون عنف، لأن كثرة تعنيف الطفل تؤدي إلى أضرار نفسية في المستقبل، ولن تستقيم شخصيته، ولن يستطيع النجاح في حياته العملية. فالتربية الإسلامية تقوم على الإصلاح وتقويم السلوك من خلال التشجيع المستمر، وتعزيز السلوك السليم. يعاقب الطفل أيضًا بالطريقة المناسبة والعقوبات البديلة، كالحرمان من الخروج، والمصروف، والأصدقاء، وأي شيء محبب له حتى يستقيم سلوكه. التربية لا تتوقف عند سن معينة بل تدوم إلى آخر العمر، ولنا في تربية الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومعاملته للأطفال أسوة حسنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق