يتميز الرؤساء التنفيذيون المغالون في الثقة بالنفس
بالإبداع والجرأة، لكنهم عرضة، أيضًا، لارتكاب أخطاء متكررة.
غولي تشين، أستاذ مساعد في الاستراتيجية في كلية
إنسياد لإدارة الأعمال.
ليس سرًا أن الشركات كثيرًا ما ترتكب الأخطاء. وبغض
النظر هل هي هفوات تصنيعية بسيطة أو أخطاء فادحة، مثل الكارثة النووية في محطة فوكوشيما
داييتشي، فإنها قد تكون مباغتة ومؤذية وقاسية.
تستجيب الشركات لردة الفعل السلبية هذه بطرائق مختلفة.
إذ يتعامل بعضها مع سحب المنتج من السوق وتراجع مبيعاته عبر إدخال إصلاحات جوهرية على
عمليات الإنتاج، أو توظيف استثمارات مهمة في البحث والتطوير، بينما يجري غيرها تغييرات
طفيفة وسطحية. أما القرار النهائي فيما يتعلق بماهية ردود فعل الشركة فهو من مسؤوليات
رئيسها التنفيذي، ويشير في دلالته إلى طريقة معالجة الخطأ واحتمال تكراره، أو تفاديه،
في المستقبل.
ارتكاب الأخطاء ذاتها مرارًا وتكرارًا
سوف يعمل الرؤساء التنفيذيون المجدون على تقييم
الخطأ، وأين وقع، ومدى مسؤولية الشركة عنه، وماذا كان بوسعها أن تفعل لتجنبه. ويقبلون
الأخطاء بوصفها دروسًا قيمة وعبرًا ثمينة، ثم يتابعون المسير قدمًا. أما أولئك الذين
يتجاهلون معلومات التغذية الراجعة، ويرفضون الاعتقاد بأن الخطأ كان نتيجة لشيء فعلوه
أو أشرفوا عليه، ويعدونه بدلاً من ذلك عاقبة أفرزتها قوى خارجية أو اعتباطية أو طارئة،
فمن المرجح أن يكرروا ارتكاب الأخطاء ذاتها مرة بعد أخرى ويلحقوا الضرر بالشركة.
لم تجر حتى الآن سوى قلة قليلة من الدراسات والأبحاث
حول السمات المميزة للرؤساء التنفيذيين الذين يسعون إلى تحسين فهم الأسباب التي دفعت
شركاتهم إلى انتهاج الأسلوب الذي انتهجته. في ورقتنا البحثية – «ارتكاب الأخطاء ذاتها
مرارًا وتكرارًا: مبالغة الرئيس التنفيذي في الثقة بالنفس ومقاومة الشركة للتغذية الراجعة
التصحيحية»- عملنا على معاينة كيف يؤثر غلو الرئيس التنفيذي في ثقته بنفسه في أنشطة
شركته، ولا سيما المدى الذي تصل إليه في دمج التغذية الراجعة التصحيحية الناتجة عن
الأخطاء السابقة والاستجابة لها. يشير فرط الثقة بالنفس، وهو أحد أنماط الانحياز المعرفي
التي خضعت للدراسة على أوسع نطاق، إلى مبالغة الأفراد في تقدير أهمية معارفهم وصوابية
أحكامهم. ويميل هؤلاء إلى التفاؤل عمومًا، والتقليل من إمكانية ارتكابهم للأخطاء. ومثل
معظم الذين ينجحون في أداء مهمة، أو يصيبون في توقع حدث، ينسبون فضل كل نجاح إلى أنفسهم.
لكن عندما يفشلون، أو يثبت خطؤهم، يوجهون اللوم إلى الحظ العاثر أو إلى عوامل غير قابلة
للتوقع. ومثلما هي الحال في جميع أنماط الانحياز المعرفي، يتفاوت مدى فرط الثقة بالنفس
وطبيعته تفاوتًا كبيرًا.
بينما تربط الدراسات التوثيقية السابقة فرط ثقة
الرئيس التنفيذي بالنفس مع وتيرة الاستحواذ (على الشركات الأخرى)، وحجم عمليات الاستحواذ،
والاستعداد لركوب المخاطرة عمومًا، عملنا على التدقيق في مستويات فرط الثقة لدى كبار
الرؤساء التنفيذيين وكيف أثرت استجابتهم للتغذية الراجعة التصحيحية في تحسين توقعاتهم
الإدارية، باستخدام السلوكيات التنبؤية لأكثر من 300 رئيس تنفيذي على مدى خمسة عشر
عامًا.
تعد دقة التوقعات آلية فعالة يستخدمها الرؤساء التنفيذيون
والشركات لبناء سمعة إيجابية في الأسواق الرأسمالية. وبينما تكون الأخطاء في التوقعات
(الفارق بين توقع الإدارة والأرباح الفعلية) حتمية في أي بيئة تجارية يغيب عنها اليقين،
تفرز الأحكام الخاطئة وسوء التقدير تبعات سلبية على الرؤساء التنفيذيين والمستثمرين.
يسهل قياس هذه الأخطاء، وهي توفر تغذية راجعة مفيدة للتنفيذيين تؤسس لتوقعاتهم الإدارية
اللاحقة.
تجاهل التغذية الراجعة
استخدمتْ طرق متعددة ومختلفة لقياس فرط الثقة بالنفس.
ومن أجل ضمان صحة النتائج التي توصلنا إليها، عملنا على تقييم الظاهرة من جوانب ثلاثة،
آخذين في الحسبان صورة الرئيس التنفيذي في وسائل الإعلام، وميله إلى التشبث بخيارات
الأسهم «داخل نطاق الربح»، والنجاحات التي حققها مؤخرًا.
مثلما هو متوقع، كلما زاد إفراط الرؤساء التنفيذيين
في الثقة بالنفس، تضاءلت ملاحظتهم للأخطاء السابقة عند توقع الأرباح اللاحقة. ونتيجة
تجاهل هذه التغذية الراجعة، كانت التحسينات التي أدخلوها أقل تأثيرًا باطراد في دقة
التوقعات مقارنة بنظرائهم الأقل مبالغة في الثقة بالنفس.
وجدنا، أيضًا، أن الرؤساء التنفيذيين الذين لا يغالون
في الثقة بالنفس أكثر احتمالاً للتوقف عن إطلاق التنبؤات الطوعية عند ارتكاب خطأ مؤثر،
بينما استمر نظراؤهم المبالغون في الثقة بالنفس في تقديم تنبؤات منتظمة بغض النظر عن
الأخطاء السابقة، الأمر الذي ينسجم مع محاولتهم نسبة هذه الأخطاء السابقة إلى حوادث
عشوائية ومحددة زمانيًا.
أظهر مزيد من التحليل أن العلاقة السلبية بين الثقة
المفرطة بالنفس لدى الرئيس التنفيذي والتحسن في دقة التوقعات كانت أشد بروزًا ووضوحًا
حين يفصل وقت طويل بين موعد توقع الإدارة ونهاية السنة المالية. ما يشير في دلالته
إلى أنه حين تزداد قدرة الرؤساء التنفيذيين المبالغين في الثقة بالنفس على توجيه اللوم
إلى عوامل خارجية، يتضاءل احتمال تعلمهم من أخطائهم.
يمكن لهذه النتائج أن تتوسع وتمتد إلى خارج سياق
توقعات الشركة المتعلقة بالأرباح. إذ يمكن للشركات التي يقودها رؤساء تنفيذيون مبالغون
في الثقة بالنفس أن تكون أكثر بطئًا في الاستجابة عندما تواجه حوادث كبرى أو أدلة على
وجود تجاوزات خطيرة، وربما تكون أكثر ميلاً إلى نسبة الحوادث إلى الحظ السيئ، والأطراف
الخارجية، مثل الزبائن أو الموردين أو حفنة من «التفاحات الفاسدة» ضمن الشركة. وعبر
تحويل اللوم عمن يستحقه، يقل احتمال التحقيق في السبب الجذري للأخطاء ومن ثم تزداد
إمكانية تكرارها.
جاذبية القائد المغالي في الثقة بالنفس
تميل الشركات التي تواجه المصاعب إلى «البحث عن
منقذ»، عن بطل ملهم استثنائي، عند تجنيد رئيس تنفيذي جديد. لكن يجب عليها الحذر، إذ
إن القادة الذين يمتلكون شخصية كاريزمية آسرة، ورؤية ثاقبة، وسجلاً حافلاً بالنجاحات،
يرجح أن يفرطوا في الثقة بأنفسهم.
في بعض الحالات، قد يعمل ذلك في مصلحة الشركة. وفي
الحقيقة، قد توجد أوضاع يكون فيها المستوى المرتفع من الثقة صفة مطلوبة وسمة مرغوبة
في كبار الرؤساء التنفيذيين. وربما يثابر الرئيس التنفيذي الواثق من نفسه- على الرغم
من الصعوبات- على إنتاج سلعة أو اتباع استراتيجية لم تكن ناجحة في البداية، وبذلك يساعد
على تشجيع ثقافة الابتكار في الشركة. لكن مع أن تفاؤل الرئيس التنفيذي المبالغ في الثقة
بالنفس يمكن أن يوجد بيئة عمل نشطة وحيوية وإيجابية، إلا أن ذلك لن يكون بلا ثمن. ومثلما
وثقنا في هذه الدراسة، يميل الرؤساء التنفيذيون المغالون في الثقة بالنفس إلى أن يكونوا
أقل استجابة بكثير للتغذية الراجعة التصحيحية، ما يشير إلى أن شركاتهم سوف ترتكب على
الأرجح الأخطاء ذاتها مرة إثر أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق